| ابو شعيب الدكالي |
من المبادىء التي تأسست من أجلها الحركة السلفية في المغرب: فتح باب الاجتهاد في التشريع والفقه الإسلامي حتى تتحقق مواكبة العصر، وقد كان الملوك العلويون يشجعون على ذلك ويدعون العلماء المجتهدين إلى مجالسهم لمناقشة العلوم الإسلامية والتباحث فيها، كما اعتمدت السلفية على شرح القرآن الكريم وتفسيره، وإشاعة علم الحـديـــث ونشره في الأوساط العلمية، واعتبارهما المرجعان اللذان يعتمد عليهما بدل الاعتماد على كتب الفروع التي قف عندها المقلدون من العلماء
ومن العلوم التي كانت قد اندثرت تفسير القرآن الكريم الذي كان ممنوعا تحت ادعاء: "إذا فسر القرآن، مات السلطان" وقد أبطل هذا الزعم أبوشعيب الدكالي وفسر القرآن وقال: بسم الله نفسر القرآن ولا يموت السلطان".والسلفية في المغرب كانت نفس المنوال التي تسير عليه أختها في الشرق، ولم يكن ذلك من باب التقليد، وإنما إلى طبيعة الحركة نفسها، وهي إحياء لمصادر الإسلام الأولى وبحث للاجتهاد، وفي الوقت نفسه أداة لمواجهة الاستعمار ومخططاته؛ فقد كان في الشرق مثلا: جمال الدين الأفغاني تائرا بينما كان محمد عبده سلفيا مربيا، وهكذا نجد في كل البقاع الإسلامية، بحيث يكون هناك رجل للسياسة والثورة، وآخر للإحياء والاجتهاد. ففي المغرب انقسم السلفيون إلى علماء يواجهون الاستعمار مواجهة سياسية كالشيخ محمد بن العربي العلوي وتلميذه علال الفاسي، وعلماء مجتهدين أمثال الشيخ أبي شعيب الدكالي ومحمد المدني بن الحسني اللذين عملا على تربية الأمة المغربية تربية إسلامية توافق مبادىء الإسلام، وتمكنهم من مواجهة التحديات وفعلا قاومت الحركة السلفية تحديات كبرى ومعارك قوية كان روادها ومحركوها رجال أفذاذ ومصلحون رواد، منهم أبو شعيب الدكالي الذي كانت محاضراته ودروسه، وتوجيهاته نبراسا وموجها لمحاربة الاستعمار، ونشر الوعي المتمثل في الثقافة القرآنية الصحيحة. ويخبرنا علال الفاسي بأنه كانت هناك ثلة من الشباب تجتمع بفاس حول ابن العربي العلوي، ومثلها في الرباط حول الشيخ أبي شعيب الدكالي يحضرون المحاضرات، ويتبادلون الزيارات والمقالات التي ينشرونها في صحف الجزائر وتونس، لأن المغرب لم يكن يحظى إذ ذاك بجريدة مستقلة، ولم تمض أيام على هذه الحركة حتى أخذت سلطة الحماية تتخوف منها، وتشعر أنها موجهة لمقاومة الطرقيين وغيرهم وفي هذا الإطار أصدرت سلطات الحماية الظهير البربري سنة 1930 الذي يرمي إلى تطبيق العرف المحلي بدل الشريعة الإسلامية في القبائل البربرية مع توسيع نفوذ المحاكـم الفرنسية في المغرب وقد نهج الاستعمار جملة من الوسائل لمحاولة تقسيم المغرب إلى عرب وبربر. وقد أشار « ليوطي" إلى بعض هذه الوسائل: "يجب بادىء ذي بدء أن نتجنب تعليم اللغة العربية لأناس دأبوا على الاستغناء عنها، إن اللغة العربية تجر إلى الإسلام، وأنها تتعلم في القرآن، هذا في حين أن مصلحتنا تحتم علينا العمل على جعل البربر يتطورون خارج الإسلام، ومن الناحية اللغوية يجب أن نعمل على الانتقال من البربرة إلى الفرنسية، "كما أنه من الضروري إنشاء مدارس فرنسية بربرية تكون مهمتنا تعليم الفرنسية لصغار البربر" هذا النص سيفجر حماس المصلحين المغاربة، وسيصعد حرارة تأثير القرآن الكريم في قلوبهم خصوصا وأنهم يعلمون جزاء الجهاد، ويعرفون قيمة الشهادة والاستشهاد في سبيل الله ويقدرون المسؤولية العظمى تجاه وطنهم، كما يقدرون حق التقدير الأمانة التي يحملونها في عنقهم، فكان رد الفعل عنيفا تجاه الظهير البريري، وماقاله "ليوطي" في النص السابق، فهرعت القبائل البربرية إلى الرباط، معلنة رفضها لما جاء في الظهير البربري، ومطالبة بتعيين القضاة الشرعيين فيها، مؤكدة عدم قبولها للمحاكم العرفية المخالفة لتعاليم الإسلام كما أحدث هذا الظهير استياء كبيرا في العالم الإسلامي، بحيث لم تبق جمعية إسلامية، أو معهد ديني إلا واستنكر هذا الفعل الشنيع، وفي هذا السياق قام شكيب أرسلان بزيادة للمغرب وفضح سياسة المستعمر، وحث المغاربة على التمسك بوحدتهم وإسلامهم وعروبتهم" واغتنمت الحركة الوطنية فرصة التضامن والترباط الذي نتج عن صدور الظهير البربري، ونتيجة لتأثير القرآن في حياتهم، وتشبعهم بتعاليمه وتمسكهم بهديه، سيدعون إلى تنظيم مظاهرات احتجاجية، وتجمعات دينية داخل المساجد وخارجها شعارها: قراءة اللطيف: "اللهم يالطيف ألطف بنا فيما جرت به المقادر ولاتفرق بيننا وبين إخواننا البرابر. إلى جانب هذه الظروف السياسية القاسية التي عرفها المغرب في حياة أبي شعيب الدكالي هناك عوامل فكرية كانت لها علاقة وطيدة بالعامل السياسي، وهي تتمثل في انتشار الطرقية المساندة من قبل الاستعمار التي كان لها أثر عميق على المنحى العقلي، حيث كان مشلول الحركة نتيجة اعتماد الفكر الطرقي على البدع والخرافات التي كان يحسبها الناس من الدين في غمرة هذه الأحداث والوقائع ظهرت الحركة السلفية، وهي دعوة إلى تطهير الدين والسنة المطهرة مما علق بهما، فكانت بحق منارا ساطعا للعالم الإسلامية ينير له الطريق وسط ظلمات الجهل والضلال، ويوضح المنهج الصحيح الذي يجب على المسلمين اتباعه.
والفضل في نشر هذا التيار الإصلاحي بالمغرب يرجع إلى الشيخ أبي شعيب الدكالي وغيره ذلك العالم المصلح الذي كان نادرة المغرب وعلمائها الأفذاذ، إماما في علوم الحديث والسنة، كان يدعو إلى السنة، شديد القمع لأهل الأهواء والمبتدعين، والمشعوذين، كان فصيح اللسان بحرا في المعارف عارفا بطرق الإقناع، فضلا عن خبرته بأحوال العالم الإسلامي التي اكتسبها في جولته بالمشرق، حيث اتصل هناك بدعاة السلفية الذين تأثر بهم. تصدر سنة 1907 مجموعة من الذين قاموا يذكرون الشعور الديني في العامة، ويدعون إلى الجهاد، ويحضون على التمسك بالكتاب والسنة2، وهجر البدع والأهواء التي انحرفت بالأمة عن سبيل المومنين، وهدي السلف الصالح، وفرقت كلمتهم طرائق قددا" وهكذا قام أبو شعيب الدكالي بحملة شعواء ضد الجهل والتخلف رافعا مشعل المقاومة مدافعا في إيمان وإخلاص عن الحنيفية السمحة، صابرا على مايوجه إليه من المعارضين سلاحه القرآن والحديث، في تغيير المنكر ومحاربة البدع. ووجدت دعوته إقبالا واسعا في أوساط الشباب الذين ناصروها بما أوتوا من قوة وسار على نهجه تلميذه الشيخ محمد بن العربي العلوي، الذي استطاع بفكره أن يستقطب حوله عددا كبيرا من الشباب المتنور أمثال علال الفاسي وإبراهيم الكتاني، ومحمد غازي وأبو بكر القادري واللائحة طويلة وكان للصحف والمجلات والكتب المشرقية، التي كانت تصل إلى المغرب دور كبير في إيقاظ العقول وتنويرها، وهي تتناول جميع الفنون العلمية؛ بأقلام رواد الحركة الإصلاحية أمثال: الشيخ محمد عبده، ورشيد رضا، والأفغاني، وكتاب أمثال: لطفي المنفلوطي، وفريد وجدي، وجورجي زيدان، وغيرهم من أعلام السياسة والفكر، وعلى العموم فتأثير النهضة الشرقية في أنعاش الحياة العقلية والفكرية في المغرب كان له دور كبير في التأثير على المصلحين المغاربة- بعد تأثيـــر القرآن الكريم، وتربيته وأخلاقه- وساهمت في نشر الوعي، إلى درجة أن اعتبرها عبدالله كنون -رحمه الله- مدرسة تخرج منها الجيل الأول من رجال العلم والأدب والوطنية الصحيحة، ومهدوا السبيل للنهضة المغربية العتيدة فكانوا صلة وصل بين الماضي الغابر، والحاضر الزاهر يمكن اعتبار هذا التلاقح الفكري بين المغرب والمشرق بغاية الاهمية، لأن الحالة الاجتماعية التي كانت سائدة في المغرب في هذه الفترة التي شهدها أبو شعيب الدكالي كانت مزرية: هناك البطالة والمجاعة والجهالة والجمود الفكري، الذي ينعكس سلبا على الواقع، حيث كان التقليد هو المسطير، وقوي الاعتقاد في أصحاب القبور، وقل المفسر الذي يرشد الناس إلى روح االاسلام الحقة، ويبرز تأثيرها وصلاحيتها، وقل كذلك المحدث المتمكن من السنة الذي يقرب للناس حقيقة الإسلام، ويبرزه في صورته الصحيحة ، وإنما كانت هناك كتب المقلدين والمختصرات ذات الفقه الجاف التي لاتربي ملكة ولاتبدي للتشريع حكمة، فأصبح العلم عبارة عن معلومات جافة وأغلق باب الاجتهاد، وحيل بين العقول وبين التفكير الحر.