المقاومة في الجنوب المغربي- الشيخ أحمد الهيبة-



        قاد الشيخ أحمد الهيبة أولى حركات المقاومة المسلحة ضد الإستعمار الفرنسي، فاستطاع بحنكته الدخول إلى مراكش الحمراء، بل إن قبائل سوس والصحراء عقدت معه البيعة كأمير للجهاد  بعد وفاة الشيخ ماء العينين في 21 25 أكتوبر 1910 بتزنيت، اتفقت أسرة أهل الشيخ ماء العينين وتلامذته وأقاربه وخاصة كبار أبنائه على تعيين الشيخ أحمد الهيبة خليفة لوالده في القيادة الروحية وفي تولي مهام الجهاد ومقاومة المستعمر.فاجتمع عليه أهل
سوس واكتظت مدينة تزنيت بالحشود من مختلف القبائل فعم خبر بيعته كل المغرب والصحراء وبلاد شنقيط (موريتانيا حاليا) فتوافدت عليه القبائل من كل حدب وصوب لمبايعته أميرا للجهاد، فما لبث أن صار الهيبة أميرا بكامل مواصفاته، ويورد المؤرخ علال الركوك أنه كان «لا يخرج للصلاة يوم الجمعة إلا إذا أحيط بأصحابه ذهابا وإيابا يقبلونه على كتفه بالتناوب في شكل حلقة يشكلون صفا خلفه، وقد دأبوا على هذه العادة حتى أصبحوا يحملون السلاح ولو إلى المسجد، فيمشون أمامه صفوفا على هيأة مخزنية».والتفت حول حركته الجهادية كل قبائل سوس والصحراء كما قلنا فكان ابرزها قبائل آيت باعمران، الأخصاص، إفران، مجاط، ولتيتة، جبال جزولة، أقا، أزغار، إداوزيكي، إداوتنان، وغيرها كثير مدعومة بمختلف الزوايا خاصة إذا علمنا أن الشيخ الهيبة ألغى المكوس الذي أثقل به المخزن كاهل السكان لتسديد ديونه المتراكمة جراء القروض الخارجية.

      وإذا ماعدنا لمختلف دراسات المؤرخين المغاربة نجد شبه إجماع على أن إعلان الشيخ أحمد الهيبة سلطانا على المغرب كان بتنسيق مع السلطان المتنحي مولاي عبد الحفيظ العلوي الذي أرغم من لدن الفرنسيين وفلولهم كالباشا الكلاوي على توقيع اتفاقية الحماية، ويذهب علال الركوك إلى أنه «كان راضيا على هذه الحملة (في إشارة للسلطان مولاي عبد الحفيظ العلوي)؛ لأنه يعتبرها حملة جهادية، تسير في نهجه الذي وعد به زمن بيعة فاس، وهناك من يذهب إلى أن السلطان لما كثرت عليه الضغوط وأصبح سجين حصار الفرنسيين، كتب سرا للهيبة يحثه على الجهاد. وهناك رسالة في هذا الصدد بعث بها السلطان عبد الحفيظ للهيبة، سلمت لمحمد الخامس زمن زيارته للمحاميد، سنة 1958». وينضاف إلى هذا أن المولى عبد الحفيظ لم يوجه رسائل تهدئة إلى القبائل التي انضمت إلى حركة الهيبة.

     جعل الشيخ أحمد الهيبة هدف الإستيلاء على مدينة مراكش الحمراء من الأهداف الرئيسية في مشروعه الجهادي فخطط ودبر وأعد العدة والعدد وما لبث أن قرر الزحف إليها بمعية 9000 مجاهد من قبائل الصحراء وقبائل سوس، يوم 15 غشت 1912 بعد ثلاثة أيام من تنازل السلطان مولاي عبد الحفيظ عن العرش، فأخضع تحت سيطرته وسلطته كبار القواد بالمغرب آنذاك وكان أبرزهم القايد التهامي، المدني، الكلاوي، العبادي، المتوكي والكندافي، وهذا إن يدل علىمعرفته الواسعة بخبايا الأمور خاصة وأن هؤلاء القواد كان أبرزهم من الخونة للسيادة الوطنية ، ناهيك عن ماعاناه السكان آنذاك من مؤامرات ومكائد شيطانية من طرفهم، وهم الذين دبروا مقتل الشيخ الهيبة وانقضوا على حركته الجهادية في فرصة سانحة.استقبل الهيبة استقبال الفاتحين، ويصف المؤرخ الفقيه محمد بن أحمد المانوزي دخوله إليها، قائلا: "أمر قادة جيشه بالمسير أمامه، فتقدموه في جيوش لا يحصيها غير خالقها، رافعين أعلامهم. ولما وصلوا إلى أبواب المدينة، انحشر أهل المدينة إليهم رجالا ونساء بالبارود والزغاريد وأنواع الزينة والحبور. وذهبوا به إلى دار المخزن، وفيها «أبو بكر» خليفة السلطان المولى عبد الحفيظ، فأهدى ما يناسبه، وأقره في داره ولم يتعرض له بسوء" فكان لزاما على أولئك القواد أن يستقبلوه وهو ماتم رغم أنهم كانوا من الخونة ذوي العلاقات المصلحية بالجنرال اليوطي.خاض أحمد الهيبة ثلاث معارك كبيرة ضد الجيش الإستعماري الفرنسي كانت منطقة الرحامنة رحى لها، فكانت الأولى في أربعاء الصخور في 16 غشت 1912، ثم الثانية في مكان يدعى بئر أوهام في 22 غشت، ثم كانت المعركة الحاسمة في سيدي بوعثمان والمسماة بمعركة سيدي بوعثمان الشهيرة بتاريخ 6 شتنبر 1912، والتي انهزم فيها جيش الهيبة هزيمة ساحقة، انسحب على إثرها من مراكش التي دخلها الفرنسيون.أما الهيبة، فتراجع إلى تارودانت، وبقيت القوات الفرنسية تطارد حركته إلى غاية سنة 1918 تاريخ وفاته ، فخلفه أخوه مربيه ربه ماء العينين.