رجل الجبل الخارق



      الرجل الذي في الصورة اسمه Dashrath Manjhi يسكن في قرية نائية ومعزولة في الهند،أصيبت زوجته إصابة خطيرة جدا وبسبب بعد المسافة بين المستشفى والقرية والطريق الطويل المتعرج (70 كيلومترا) لم تصل سيارة الإسعاف في الوقت المناسب وماتت رفيقة دربه بين يديه وهو عاجز تماما من ان يفعل لها شيئا.

      طلب من الحكومة أن تشقّ نفقا في أحد الجبال لاختصار المسافة بين المستشفى و القرية حتى لا تتكرّر هذه الحادثة لأناس آخرين ولكنّ السلطات تجاهلته فقرّر هذا الفلاح قليل الحيلة أن يتصرف بنفسه لكي ينهي تلك المأساة التى يعيشها هو وأهل قريته؛ فأحضر فأسا ومعولا وقرر الحفر بيديه طريقا صخريا بريا بين الجبل،سخر منه جميع أهل القرية واتهموه بالجنون، وقالوا إنه فقد عقله بعد وفاة زوجته.

     أمضى هذا الفلاح البسيط 22 عاما ( من 1960 إلى 1982) يحفر في الجبل، يوميًا من الصباح إلى المساء، دون كلل أو ملل، ولا يملك إلاّ فأسه ومعوله وإرادة تواجه الجبال وصورة زوجته في ذهنه وهي تموت بين يديه.

      ونجح في الأخير في أن يشقّ طريقا في الجبل بطول 110 أمتار، وبعرض 9 أمتار، وبارتفاع 7 أمتار، لتصبح المسافة بين قريته والمدينة فقط 7 كيلومترات بعد أن كانت 70 كيلومترا؛ وأصبح باستطاعة الأطفال الذهاب إلى المدرسة وأصبح بإمكان الإسعاف الوصول في الوقت المناسب.

     لقد فعل هذا الرجل بيديه العاريتين وبإرادته التي غلبت الجبال و لمدّة 22 عاما ما كانت تستطيع أن تفعله الحكومة في 3 شهور، وقد سُمّي هذا الفلاح برجل الجبل، وتمّ إنتاج فيلم سينمائي عنه يروي قصّته و التي تبين للأجيال قوة الإرادة ومقدرتها على تحقيق المستحيل.


"حيث هناك إرادة هناك و سيلة ."

إصلاح التعليم بالمغرب و جدلية الداخل و الخارج.






مصطلح الاصلاح مشتق من فعل اصلح الذي يدل تارة على الصلح (اصلاح ذات البين) و عقد الهذنة و تارة يدل على فعل الخير و العمل الصالح اي ان الاصلاح غالبا ما يجل على التقويم و التحسين.

لكن ماذا يعني الاصلاح في نظر المفكر التقليدي؟

هنا يعني الاصلاح اساسا دعوة الى وضع الاسلام الاجتماعي في مستوى الاسلام المعياري اي ما ينبغي ان يكون عليه المجتمع اسلاميا .هذه الدعوة لم تنقطع يوما منذ ظهور الاسلام وحتى و لو لم يتحقق هذا التطابق بين الاسلام المعياري و الاسلام الاجتماعي باستثناء الجيل الاول من المسلمين، بقيت هذه الدعوة قائمة الى اليوم .

تفاقم هذا الفارق بين الاسلامين في وعي المسلم الى ان وصل الى حد القطيعة ،و يصطلح عليها في الادبيات الاسلامية ب"غربة الاسلام" اي الجزم بأن المجتمع اصبح خارج الاسلام هنا يمكن أن نفهم أبعاد الحديث النبوي "بدأ الاسلام غريبا ،ثم يعود غريبا، فطوبى للغرباء" قيل و ما الغرباء يا رسول الله قال:" الذين يصلحون عند فساد الناس" على هذا الاساس يطرح الاصلاح كواجب شرعي يتحقق من خلال الامر بالمعروف و النهي عن المنكر دون الخروج على السلطان حتى و لو كان جائرا لان طاعته اخف ضررا من الفتنة كما يقول الفقهاء ، لان تحقق الاصلاح رهين بوجود السلطة لاستحالته في ظل الفتن و الفوضى.

يعتبر الوعي الاسلامي ان الاسلام هو الاصل اي انه دين الفطرة و انسان الفطرة هو ذاك الانسان بعد تجريده من كل ماعلق به عن طريق التقليد و بالتالي فكل مجتمع محرف مالم يعد الى الاسلام هنا يقوم الاصلاح على الاعتقاد بأن هناك خللا داخليا أصاب المجتمع و غربه عن أصله فهذا الاسلام يقوم على منطق اسلامي ذاتي لايحيل الى شئ خارجه لأنه حسب الفقهاء الإسلام مكتف بذاته.

وقد ساهمت ظروف التي أفرزتها الأوضاع في القرن الثامن عشر و التاسع عشر في ظهور تصورين مختلفين للإصلاح :
التصورالأول:هو التصور التقليدي لمفهوم الإصلاح الذي يعزو أن الخلل كامن في الذات و في المجتمع الإسلامي و لا سبيل الى الخروج من حالة الضعف و الوهن الإ من خلال تغيير الذات مصداقا لقوله تعالى "لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".(الامام الغزالي نمودجا)
التصور الثاني:حاول إقتباس عناصر الإصلاح من الأخر الأوروبي خاصة بعد أن ظهر تفوقه ، مع الإحتفاظ بنفس الشعارات التصور التقليدي للإصلاح .(محمد عبده نمودجا)
 
 صاحب هذا الوعي بقوة الأخر و تفوقه ظهور الحركة السلفية كنزعة توفيقية تحاول إبراز أهمية الإسلام في تحقيق النهضة و الإصلاح ،كان لمحمد عبده و جمال الدين الأفغاني الدور الكبير في التأسيس لمفاهيم الخطاب السلفي من أجل مواجهة حملات التغريب الحاصلة بفعل التغلغل الاستعماري ،و عملوا على إبراز أنه لايمكن الوصول الى أي إصلاح دون الرجوع الى أصول الاسلام و بعثها من و تجديدها ،رغم ظهور تيارات تحمل لبوسا حداثيا تدعو الى الإصلاح ،كانت تتقاطع في كثير من توجهاتها مع التوجه الليبرالي الغربي الداعي الى إصلاحات داخل الدول الإسلامية، فكانت اهم معوقات استيعاب الحركة السلفية لظرفية التاريخية و محدداتها ناتجة عن عدم القدرة على تجاوز الدرس الديني الذي كان يمارس منذ قرون خلت المحدد بخاصية الاجترار و التغاضي عن الاسئلة الشائكة وكلما عرض لهم عارض ردوه الى كتب التراث و زمن النبي و يتم تحميل النصوص أكثر مما تحتمل الشيء الذي عطل ملكة الابتكار و الإبداع و عليه فشلت كل محاولات الإصلاح التي قام بها المغرب في القرن التاسع عشر لأن النخبة سقطت في مأزق تاريخي تمثل في إتخادها مواقف دفاعية و نكوصية إتجاه الحداثة و لم تستطع تجاوز حالة الإنغلاق و الإنكماش على الذات.

وعى بعض الرحالة المغاربة هذا المأزق و حاولوا تجاوزه من خلال الإنفتاح على الأخر الأوروبي و على منجزاته حيث خلص جلهم الى أن النظام يحتاج الى علم يستند إليه والى معرفة تدعم أليات إشتغاله ،لذلك يلاحظ الحجوي أن أوروبا قد عممت المدارس و جعلت التعليم اجباريا لأنها إهتدت حسب تعبيره الى أن العلم و التعليم سر التقدم و أن الجهل سبب التأخر و الإنحطاط وأن ما يصنع قوة أوروبا اليوم هو ما صنع قوة المسلمين بالأمس أي الكتاب و العلم.

رغم كون محمد الحجوي فقيها متخرجا من القرويين كان يقول يضرورة الأخد بمقومات الحضارة الأوروبية و إقتباسها دون الإنسلاخ عن ما يشكل الشخصية الثقافية المغربية الإسلامية ويقول ما مفاده :إذا كان العلم و التعليم يمثلان اهم مقومات الرقي و التقدم في أوروبا ذلك ليس بعسير علينا إذا ما عزمنا على تخطي التأخر و الضعف.

لكن الأمر لم يكن بالبساطة التي تصورها الخجوي لان واقع التعليم التقليدي بالمغرب مختلف تماما ويستحيل تغييره بإسقاط التعليم الأوروبي عليه لذلك سار متحمسا و مدافعا عن السياسة الاستعمارية الخاصة بالتعليم التي نهجها اليوطي منذ استثبات الأمر له في المغرب، حيث طرح هذا الاخير سنة 1915م رؤيته لإصلاح المدرسة و إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية في أفق إستغلالها كألية للغزو بمعية عدد من منظري الاستعمار بالمغرب تمت صياغة وثيقة أسماها "القواعد السياسية لتعليم الأهالي بالمغرب"حيث جاء في هذه الوثيقة أن المدرسة ليست وسيلة أساسية للمدنية و التحضر فقط و إنما هي وسيلة أساسية للغزو لان هذف اليوطي الاساسي هو تحضير نخبة قادرة على مساعدتهم في السيطرة التامة على المجتمع و الدولة، و ذلك ما عبر عنه جورج هاردي قائلاز"من أجل تغيير الأفراد البدائيين بمستعمراتنا و جعلهم متفانين في خدمتنا فان الوسيلة الأنجح هي أخد المغربي طفلا و فتح المدارس في وجهه التي ستهذب عقله لأجلنا حتى يصبح ساعدا طيعا في المقاولة الفرنسية فتنال منه المدرسة ما لم تستطع أن تنال منه الألة الحربية" ،فالمدرسة بهذا المفهوم أداة اساسية لتوفير اليد العاملة و تكريس الوضع القائم من خلال اختزال دورها بشكل يحول دون مساهمتها في التغيير الإجتماعي لشرائح واسعة من الشعب ،ليعاد انتاج نفس البنيات الاجتماعية و الاقتصادية المتخلفة التي كرست إنحطاط المغرب و تأخره عمل الاستعمار من خلال سياساته على تحنيط هذه البنى كأحد عوامل الوهن و بالتالي كعامل مكرس للتبعية .

نظرا لخطورة مسألة التعليم على المغرب و الاجيال اللاحقة و ضعتها الحركة الوطنية التعليم على رأس أولوياتها و مطالبها التي تقدمت بها الى الحماية الفرنسية في ثلاثينيات القرن الماضي،وكذا من خلال انشاء العديد من المدارس الحرة بهدف تكوين نخبة وطنية أكثر إلتصاقا بهموم بلادها . واستمرت هذه اهمية المسألة التعليمية هاته حتى بعد الاستقلال حيث برزت بشكل واضح من خلال ما أقرته اللجنة الملكية التي جاءت بالمبادئ الأربعة :التعميم، التوحيد، والتعريب والمغربة.

لم تعتمد هذه المبادئ في التخطيط الى من خلال مخطط الخماسي 1960-1964م لكن سرعان ما تراجعت الدولة سنة1963 (مناظرة المعمورة) عن مبدأ التعميم بدعوى أن ميزانية الدولة لا تتحمل الافواج الكبيرة للأطفال الذين هم في سن التمدرس و تم إقرار سياسة تعليمية جديدة بمباركة القصر سمية هذه السياسة بمذهب بنهيمة نسبة وزير التعليم أنداك ، فشل المخطط الخماسي كما فشلت كل الاصلاحات الاخرى كان للقرار الوزاري الذي اتخذه وزير التعليم آنذاك يوسف بلعباس الطعارجي يقضي بحرمان البالغين 17 سنة من الالتحاق بالسلك الثاني الثانوي الشيء الذي اعتبر قتلا لآمال الطبقة الشعبية في تحسين وضعها الاجتماعي عن طريق التعليم والشرارة التي أدت الى أحداث 23 مارس 1965م الدامية.

في مرحلة السبعينات تم الإستمرار في التحكم في الخريطة المدرسية و تكييفها مع الفاتورة الاقتصادية ما أفرز إنتشارا للأمية و ما أثر بشكل كبير على التنمية الحقيقية داخل البلد ،أما الثمانينات فتميز بصدور التقرير البنك الدولي سنة 1983م الذي وضع المغرب في مراتب متأخرة و دعا الى تقويم هيكلي يقوم على الحد من النفقات في القطاعات الغير المنتجة خاصة التعليم و الصحة ،فجاءت وتيقة 1985م والتي ترجمت توصيات البنك الدولي ، في هذه الفترة بدأ الحديث عن ترشيد النفقات حيث أعطى هذا الإصلاح الأهمية للتعليم الأساسي و المهني مع تشجيع القطاع الخاص لينمو بشكل يسمح التخفيف من أزمة الدولة.

في سنوات التسعينات كان تحقق من المبادئ الاربعة التي اقرتها اللجنة الملكية الاولى لإصلاح التعليم مبدأين إثنين هما التوحيد و المغربة لكن التعريب لم تستكمل أطواره و توقف في المرحلة الثانوية أما التعميم فظل يكتسي أهمية خاصة لالتصاقه بمبدأ المجانية ولم يجرأ أحد على فرض أية رسوم في سلك من الأسلاك .

عين الحسن الثاني سنة لجنة ملكية لإنجاز تقرير مفصل في 25 يونيو1995 عرفت بوثيقة المبادئ الأساسية، وحاولت هذه الوثيقة ملامسة مكمن الخلل في النظام التعليمي، وحاولت طرح بعض الحلول الممكنة لتجاوز هذه الوضعية، ففي ديباجة هذه الوثيقة تنطلق اللجنة من اعتبار قضية التعليم ذات طابع استراتيجي ووطني، وربطت الإصلاح بالمؤسسة لا بالأفراد .

كما حددت اللجنة، منذ البداية، مجموعة من الأسس التي يجب أن ينبني عليها الإصلاح، كما دققت الأهداف والغايات ولخصتها في التعميم والإلزامية والمجانية، وأولت أهمية كبيرة لهذه الأخيرة، إذ يشير التقرير، بوضوح، إلى أن مبدأ المجانية يعتبر نتيجة حتمية للظروف الاقتصادية والاجتماعية لعدد كبير من الأسر المغربية، بالإضافة إلى أن المجانية تعتبر عنصرا حاسما لاستمرار المدرسة العمومية المغربية، وبخصوص هذا المبدأ لا بد من الإقرار بمسؤولية الدولة في مجانية التعليم، ولعل هذه النقطة الأخيرة الخاصة بالمجانية، وتشديد وثيقة المبادئ الأساسية عليها في عدد من فقراتها، أغضبت الملك الحسن الثاني الذي سارع إلى طلب استشارة البنك الدولي سنة 1995 الذي أصدر أولى توصياته بـخوصصة التعليم سيما التعليم الثانوي والعالي، مؤكدا أن دور الدولة في التعليم يجب أن يتغير حتى تتمكن أنظمته من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. وقبل سنة 2010 فإن نسبة مهمة من التعليم الثانوي والعالي يجب أن توفرها مؤسسات خاصة.

وفي خضم النقاش السياسي الذي عرفه المغرب بعد تشكيل ما يسمى حكومة التناوب ، عاد ملف التعليم وإصلاحه إلى الواجهة، لكن على هدي توصيات البنك الدولي الحازمة، وفي هذا الإطار وجهت الدعوة، رسميا، إلى تشكيل اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين التي ضمت33 عضوا: عضوان عن المجالس العلمية، 14 عضوا عن الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، و8 أعضاء عن المركزيات النقابية و9 أعضاء آخرين.

وأشرفت اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين، التي ترأسها المستشار الملكي الراحل عبد العزيز مزيان بلفقيه، على وضع الخطوط الكبرى للميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يتوزع على قسمين كبيرين:
القسم الأول: ويضم المبادئ الأساسية المتمثلة في المرتكزات الثابتة والغايات الكبرى وحقوق وواجبات الأطراف والتعبئة الوطنية من أجل إنجاح الإصلاح.
القسم الثاني: يحتوي على مجالات التجديد (178 مادة موزعة على 19 دعامة للتغيير) ويضم الميثاق الكثير من التفاصيل والشعارات غير الدقيقة، كما يركز على الجوانب التقنية وإعادة الهيكلة البيداغوجية ورفع الجودة، والتكوين إلى غيرها من الشعارات التي تكسرت الواحد تلو الآخر على صخرة الواقع.

ورغم أهمية مضامين الميثاق والحس التوافقي الذي ميز أشغال اللجنة الخاصة وما انبثق منها من توصيات، لم تخل الوثيقة من ملامح لتوجه الدولة نحو التخلي عن مجانية التعليم، إذ أشار الميثاق إلى أنه يقتضي تنويع موارد التمويل، إسهام الفاعلين والشركاء في عملية التربية والتكوين من دولة وجماعات محلية ومقاولات وأسر ميسورة، .هذا ما اصطلح عليه بالانفتاح على المحيط.

يجيب الجابري أن المشكل ليس في التعليم بل في المحيط لانه غبر قادر على خلق فرص شغل جديدة وأن إدماج التعليم في المحيط فيه قدر كبير من التضليل لان هذا المحيط هو نتيجة السياسات التعليمية السابقة التي لم تضع التعميم على رأس أولوياتها خاصة في البوادي و القرى و تطور الفلاحة كنشاط اساس للسكان لا يمكن أن يكون دون تعليم واسع النطاق.

كما يضيف الجابري أن المحيط الأمي في المغرب هو مكون من الفقراء الذين يكادون يجدون ما يعيلون به أنفسهم و أبناءهم ، الذين يعانون البطالة بكل اشكالها ،فأي تفكير في التخفيف من ميزانية الدولة عن طريق إلغاء المجانية هو أمر غير واقعي، وحتى لو فرضت رسوم على التعليم العالي مثلا على من يستطيعون فعلا أداءها الى أنه في الوضع الراهن لا توجد أية ألية للتمييز بين من يستطيع ومن لايستطيع لأن مجمل الخدمات العمومية حاليا يستفيد منها الأغنياء على حساب الفقراء .

في سنة 2008م صدر تقرير البنك الدولي أخرو أقر صراحة بتخلف النظام المغربي مقارنة مع دول شمال إفريقيا و الشرق الأوسط حيث إحتل المغرب الرتبة 11 من بين 14 دولة ،سارع المجلس الاعلى لتعليم بإقرار ذلك و اعترف بفشل تنزيل الميثاق الوطني للتربية و التكوين. كما جاءت في تقرير البنك الدولي إملاءات جديدة وجب على المغرب إتباعها منها التسريع في وثيرة الخوصصة و تطبيق ما يسمى بترشيد و عقلنة النفقات و التخلي التدريجي لدور الدولة على الخدمات العمومي و على رأسها التعليم.

فجاء إصلاح أخر أو كما عبرت عنه بعض الجرائد ب"إصلاح الإصلاح" الذي سجل نوعا من التمادي في السياسة الخوصصة حيث وهكذا نقرأ في ص 80 ما يلي: " النهوض بالعرض التربوي الخصوصي بغية التخفيف من العبء المالي للدولة في تمويل المنظومة " ص 80 . وهو ما يتطلب " تشجيع تنمية العرض التربوي الخصوصي" .

ويذهب المشروع إلى أبعد من ذلك ليعلن صراحة عن المضامين الحقيقية لهذا التشجيع ليؤكد في ص 80 " إقرار تدابير تحفيزية تمكن من تسهيل استثمار الخواص في قطاع التعليم ( آليات اقتناء الأراضي بشروط تفضيلية، ولتمويل كلفة الاستثمار لتحمل جزء من تكاليف البناء ) " وتفويض تدبير مؤسسات عمومية قائمة: تفويت البنيات والتجهيزات وإلحاق الأطر التربوية بالتعليم الخاص، وتقديم إعانات محتملة لتسيير مؤسساته حسب التعريفة المتبناة في كل مؤسسة مثلا " (ص 83) وتدابير أخرى رأت النور مع المخطط الإستعجالي:
خوصصة بعض الوظائف عبر تفويتها للقطاع الخاص ولكبار المستثمرين. وهذه الوظائف هي: البناء والصيانة والنقل والترميم والحراسة والأمن والفضاءات الخضراء وتدبير الداخليات.

تفويت التعليم الأولي بشكل تدريجي للخواص......

كما واصلت االدولة تطبيق سياسة تقشفية في مجال التوظيف أطلق عليها " ترشيد كثلة الأجور من أجل تحسين مردودية المنظومة" إن الأمر يتعلق بالالتفاف على الخصاص وتوفير مناصب مالية، إنها هواجس لا تربوية. إذ نقرأ في الصفحة 80 ما يلي:
" بالنظر للأهمية التي تمثلها كثلة الأجور في ميزانية منظومة التربية والتكوين، فإن ترشيدها يمثل عاملا حاسما في تحسين مردودية المنظومة. ولأجل ذلك تم رصد العديد من مواطن الترشيد سيتم تفعيلها في إطار المخطط الاستعجالي: التوظيف الأمثل للمدرسين باستكمال الغلاف الزمني الأسبوعي بمجموعة من الإجراءات: توظيف المدرس المزدوج أو المتعدد الاختصاص، جهوية التوظيف، ترشيد التوزيع الزمني للبرامج."
 
وهكذا، يتضح لنا ما يلي:
إحداث إطارات جديدة للمدرس(ة) (المدرس المزدوج، المتعدد الاختصاص، المتنقل ..)، وهي كلها إجراءات وتدابير تنعكس سلبا على الاستقرار الاجتماعي والنفسي للمدرس وتضرب في العمق مبدأ الجودة ، وتؤثر على المردودية وتقلل من قيمة مهنة التدريس.
البدء في تطبيق التوظيف الجهوي المبني أساسا على التعاقد
توظيف المدرس في أكثر من مؤسسة قصد استكمال الغلاف الزمني

  • إلغاء تدريس بعض المواد ببعض المستويات: الفلسفة في الجذوع المشتركة، الترجمةالتاريخ والجغرافيا في التخصصات العلمية 
  • التقليص اللاتربوي في الحصص الأسبوعية للعديد من المواد الدراسية: الفرنسية، العربية، الأنجليزية، الاجتماعيات ....
  • إلغاء التفويج في المواد العلمية الطبيعيات والفيزياء.

و الحالة هاته ذهب عدد من المختصين أن المدرسة العمومية في طريق نهايتها ،ويستدلون على ذلك بتراجع المنظومة التربوية كما و كيفا و تراجع مكانة التعليم المغربي على الصعيد العالمي و حتى الإفريقي ،حيث وسعت الهوة بشكل كبير بين التعليم الخصوصي و العمومي ،حيث تعرف المدرسة اليوم إنتكاسا واضحا لقيم التطوع و المثابرة و المسؤولية ، و إستسلاما للأطر التربوية في مواجهة السياسات الحكومية و في مواجهة إغراءات المال الذي عده كثير منهم سبيلا للخلاص من الوضعية التي تعاني منها هذه الأطر .

فيما يتنامى الشعور باليأس و العجز لدى أبناء الطبقة الكادحة من الشعب و يتركز التفوق المعرفي لدى أبناء الطبقة الميسورة ما يعزز إحتكارهم للثروة و السلطة و الزيادة في الفوارق الإجتماعية مما سيضر بالسلم الإجتماعي لامحالة.

فموت المدرسة العمومية مسألة حتمية في كل الدول التي تسير على نهج الرأسمالية المتوحشة وتخضع كليا لسياسات السوق المملات من طرف الأدرع القوية لرأسمال العالمي.

مستقبل التعليم في بلادنا رهين بصراع و تناقض القوى المؤثرة في النسق التربوي لان هذه الجدلية تفرض بالضرورة ظهور أشكالا متعددة للمقاومة لانه في الاساس يجب النضال ضد الشركات المتعددة الجنسية و المنظمات الدولية التي تدفع بالتطور التجاري للمدرسة، وضد الحكومات التي تضمن لها الشروط ،و ضد الإدارات التي تنفذ هذه السياسات بحماس ، يجب أن ينخرط كل واحد في المقاومة عبر طرقه الخاصة لإنقاذ المدرسة العمومية و الحفاظ على حق أبناء الشعب في تعليم مجاني و جيد ، من المفروض أن يقود المدرسون هذه المقاومة لأن موت المدرسة يعني بالضرورة موتهم.

المشاركات الشائعة

مشاركة مميزة

كسوف الشمس في 21 غشت و بداية العد التنازلي للنهاية.

كشفت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية، استنادا للعالم ديفيد ميد،إمكانية اصطدام الكوكب الغامض "نيبيرو" بالأرض. و قال الع...