الاهمية التاريخية لرحلة الصفار الى فرنسا 1845-1846

     مما لاشك فيه أن المغرب قد عاش مند القرن  14 تراجعات كبيرة في كل الميادين طبعا إختلفت بإختلاف العصور لأنه ما من ريب   أنه عرف فترات مضيئة بين القرن 14 و19 , لكن طابع الركود و الجمود ظل السمة المميزة و الذي ترسخ بتزايد الإنجازات التي مافتأت تحققها الحضارة الأوروبية منذ عهد المولى سليمان و سياسة الإحتراز و الإنغلاق التي نهجها مرورا بإنهاء الجهاد البحري و تفكيك أساطيله الى تفتيت قوة الزوايا التي لعبت لقرون دور الحاضنة له(الجهاد) انكمش المغرب على نفسه كأنه يتعرض للغزو قبل... 



.حدوثه حسب تعبير العروي

  كان لسقوط الجزائر سنة 1830 وقع الصاعقة على المغاربة عامة وأصبحت فرنسا النصرانية “الكافرة مجاورة للمغرب على حدود ترابية متسعة فلم يجد المغاربة بدا من دعم الجرائرين ضد المحتل الفرنسي إستجابة واجبهم الديني في نصرة إخوانهم وكذلك إستجابة لمتطلبات المرحلة السياسية و العسكرية لأن التمكين لفرنسا في الجزائر يعني بالضرورة بداية الإعداد لإحتلال المغرب وضمه هو كذلك للإمبراطورية الفرنسية وذلك ما حدث بالفعل لتونس سنة 1881 و المغرب سنة 1912
لهذا فإن دراسة الأطر الفكرية و الثقافية في النصف الأول من القرن التاسع عشر تساعد في تفسير وفهم كيف وصل المغرب الى ما وصل إليه من عجز وضعف و تخبط في مواجهة الأطماع التوسعية خاصة بعد تزايد شهيتها في النصف الثاني من القرن 19 
من هن اتأتي أهمية رحلة الصفار لأنها جاءت في مرحلة مفصلية من تاريخ المغرب الحديث و ذلك لعدة إعتبارات

:أولا

لأتها جاءت بعد هزيمة إيسلي غشت 1844 والتي شكلت هزة عنيفة للأنا المغربية إذا صح التعبير لأن المغاربة درجوا منذ قرون خلت على سرد أخبار الدول المتعاقبة على حكم البلاد و التي وصلت هيبتها الأفاق وعزة الإسلام و المسلمين و انهم خير أمة أخرجت للناس هذه الطوباوية التي حافظ عليها النظام التعليمي التقليدي لقرون لم تعرف التغيير ولا التحيين ونسجت بالتالي معرفة مفارقة للواقع

:ثانيا

جاءت رحلة الصفار طبعا كإستجابة لظرفية سياسية مرحلية لكن كان الأهم هو إكتشاف الأخر و قوته المتنامية و مكامن هذه القوة فكانت هذه الرحلة محاولة إستكشافية إستطلاعية سعت بحق أن ترصد إجابات قد تساعد في فهم تعقييدات الوضع الجديد

:ثالثا

يمكن إعتبار رحلة الصفار وثيقة تاريخية بالغة الأهمية من حيث أنها تؤرخ لبداية وعي النخبة المغربية خاصة المخزنية لذاتها في عجزها عن الإمساك بخيط التحولات هذا الوعي هو الذي حمل الصفار الى تقصي مظاهر الحضارة الفرنسية في كل أبعادها بأسلوب إتسم بالموضوعية في الوصف و الإنبهار بما وصلت إليه هذه الحضارة من تقدم بل وصل الى حد تقريع الذات من خلال المقارنات والتحسر على أيام العز الإسلامي

:رابعا

مثلت كذلك هذه الرحلة السفارية خرقا كبيرا للجهاز المخزني و المتمثل بالنتائج المترتبة عنها من تفتيت الجبهة الداخلية الممانعة 
لتعامل مع الفرنسي يمكن أن نذكر كيف تبدل موقف الصدر الأعظم محمد بن إدريس الذي عرف عنه كراهيته الشديدة للأروبين الى أن أصبح من أكبر الدعاة لتحالف مع الفرنسين بفضل الدور الافت الذي قام به ليون روش مهندس رحلة الصفار في توسيع قاعدة المتعاملين معهم حيث تؤكد سوزان ميلار أن عددا من كبار الموظفين المخزنين تلقوا أموالا مقابل تقديمهم خدمات لفرنسا إضافة الى الصدر الأعظم نجدالنائب السلطاني بوسلهام بن علي وعبد القادر أعشاش و محمد الصفار نفسه