مما تقدم نستنتج أن هناك صراع مستمر ودائم بين العالم
الثالث والعالم الغربي حول الثروات الطبيعية ولكن هذا الصراع غير متوازن وغير
متكافئ لأنَّ العالم الأول يعاني من تاريخ مثقل بالإحباطات وعقول مجتمعاته مبرمجة
بأفكار مسبقة الصنع ومقولبة في إطارات جامدة مثل الأديان والأعراف والتقاليد
وجميعها تعيق التفكير العلمي واستخدام العلم في جوانب الحياة المختلفة.
أما العالم الثاني فهو مسلح بالتفكير العلمي وبإنجازات العلم الكبيرة واستطاع الخروج من القوالب الجاهزة ووضع معايير جديدة لمجتمعاته بشكل مختلف تماماً عن مجتمعاتنا مثل موقفه من الأديان والمرأة ورأس المال وغيرها.
أما العالم الثاني فهو مسلح بالتفكير العلمي وبإنجازات العلم الكبيرة واستطاع الخروج من القوالب الجاهزة ووضع معايير جديدة لمجتمعاته بشكل مختلف تماماً عن مجتمعاتنا مثل موقفه من الأديان والمرأة ورأس المال وغيرها.
يخطر في البال سؤال هام حول الآلية التي يتبناها العالم
الغربي لنهب ثروات العالم الثالث مع إقناعه بنفس الوقت بأنه يقدم له العون
والمساعدة. تتلخص الإجابة في عدة نظريات نذكر منها:
1. نظرية المؤامرة:
تنص هذه النظرية على أنّ كل ما يدور في العالم الثالث من أحداث هو محصلة مؤامرات
يحيكها العالم الغربي عن طريق أجهزته المخابراتية المتعددة وعن طريق سفاراته
المنتشرة في كافة أنحاء العالم وعن طريق إعلامه الذكي وغير المباشر. إنّ أصحاب هذا
النظرية لديهم أدلة كثيرة ومتنوعة وسنسرد بعضها لاحقاً.
2. نظرية ركوب الموجة:
تنص هذه النظرية على أنّ العالم الغربي عندما يرى بداية لحركات تحررية في العالم
الثالث ذات أهداف تمانع سلب ثرواته فإنه يقوم على الفور بمد يد المساعدة لها
ويدعمها ولكنه في نفس الوقت يخطط لحرفها عن مسارها ويمنعها بالتالي من تحقيق أهدافها.
3. نظريات أخرى متعددة.
بمراجعة التاريخ القديم
والحديث فإننا نستنتج بأنَّ العالم الغربي يتبع كل هذه النظريات ويسلك كل الطرق
التي تجعله يحقق أهدافه ويستند في ذلك إلى المبدأ المشهور "الغاية تبرر
الوسيلة".
دعنا الآن نسرد بعض
الأمثلة على تصرفات العالم الغربي والأساليب التي يتبعها للسيطرة على العالم
الثالث والحصول على ثرواته برضاه وامتنانه:
أ.
خلق
بؤر التوتر:
نلاحظ أنّ دول العالم
الثالث تعاني من مشاكل متعددة أهمها الجهل والتعصب القبلي والمذهبي والتاريخ
الشائك من الصراعات الدموية وكذلك غياب الفكر والتخطيط العلمي ووجود حكومات غير
مؤهلة إدارياً وغير قادرة على التعامل مع النمو السكاني المتزايد في هذه الدول.
إنَّ كل ذلك يشكّل بيئة خصبة لقيام الأجهزة المخابراتية الغربية بزرع الفتن وخلق
المشاكل والصراعات مما يجعل العالم الثالث غير آمن بشكل عام ويضطر المواطنون إلى
تهجير أموالهم وثرواتهم إلى العالم الغربي الذي يقدم لهم بيئة آمنة لحفظها
وسلامتها.
كذلك فإن الكفاءات
البشرية العلمية والمهنية والإدارية لا تجد في العالم الثالث من يشجعها أو يحميها
وتقوم بدورها بالهجرة إلى العالم الغربي الذي يستقطبها ويؤمن لها كل التسهيلات
والدعم. بناءً على هذا نجد أنّ العالم الثالث ما هو إلا مزرعة خصبة يصب إنتاجها في
بنوك ومؤسسات العالم الغربي.
ب. قيام المخابرات الغربية بإعداد شخصيات مناسبة للقيام
بأدوار معينة وزرعها في رأس السلطة
وهذا الإعداد يأخذ وقتاً طويلاً ومتابعة مستمرة ولعل الأمثلة على ذلك كثيرة وأشهرها
محمد أنور السادات الذي استلم رئاسة مصر بعد وفاة جمال عبد الناصر وقام بالخيانة
العظمى التي تتمثل بزيارة الكيان الصهيوني وعقد مجموعة من اتفاقيات الاستسلام معه
تحت عنوان "اتفاقيات كامب ديفيد" والأهم من ذلك زرع السفارة الإسرائيلية
في أكبر العواصم العربية "القاهرة".
كذلك فمن هذه الشخصيات "غورباتشوف"
الرئيس السابق للاتحاد السوفيتي الذي
استطاع أن يفكك هذا الاتحاد إلى مجموعة من
الدول المتنازعة والضعيفة وكذلك قام
بتفتيت المعسكر الشرقي الشيوعي بأكمله وهذا
كله لم يكن بالإمكان القيام به لولا الدعم
الدائم والكثيف من الدول والمخابرات الغربية.
ﺣ.
الإسهام في خلق الصراعات الدولية:
يقوم العالم الغربي
بتشجيع الصراعات والحروب بين الدول البعيدة عنه لأنّ ذلك يضعف هذه الدول ويسهل
عملية السيطرة عليها والاستيلاء على ثرواتها عن طريق بيع السلاح وإعادة بناء البنية
التحتية وما إلى ذلك. إنَّ الأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة وأهمها تشجيع العراق على
محاربة إيران ومن ثمّ غزو الكويت وبنتيجة ذلك تمّ الاستيلاء على كل الثروات
البترولية السابقة واللاحقة والمودعة لدول العراق وإيران والكويت والسعودية وكافة
دول الخليج.
د. خلق مفهوم
الإرهاب:
إنّ كل من راقب وتتبع
عملية ضرب الأبراج الأمريكية من قبل تنظيم القاعدة وما تبعها من أحداث متتالية مثل
غزو أفغانستان والعراق وغيرها وخلق مفهوم الإرهاب واستخدامه لفرض إرادة الدول
الغربية على العالم قاطبة يستطيع التكهن بما يلي:
1. إنَّ عملية ضرب الأبراج الأمريكية كان عملاً تقنياً
ناجحاً جداً ويحتاج إلى خبرات علمية ومهارات فائقة وإلى معلومات تفصيلية عن تصميم
الأبراج وآلية عمل الطيران الأمريكي المدني والعسكري وغيرها من الأمور المعقدة.
إنَّ هذا كله لا يستطيع أي تنظيم في العالم الثالث مهما بلغت قوته ومعتقداته من
الحصول عليه ولا يستطيع النجاح في مهمة ضرب هذه الأبراج.
إنَّ هذا يقودنا إلى
الاستنتاج بأنَّ المخابرات الأمريكية كانت خلف الكواليس وبشكل فائق السرية توصل
المعلومات المطلوبة إلى تنظيم القاعدة. إنَّ ما يؤكد هذه الحقيقة هو قيام الرئيس
الأمريكي بعد الحادث مباشرة بخلق مفهوم "الإرهاب" وتوجيه التهمة مباشرة
إلى تنظيم القاعدة وتبعها بعد ذلك غزو أفغانستان الذي لا يزال مستمراً حتى الآن
ولا تزال دوافع هذا الغزو الفعلية غامضة ومجهولة باستثناء تدريب الجيش الأمريكي
وقيامه بتنفيذ المشاريع العسكرية بالذخيرة الحية والتخلص من الأسلحة والذخيرة
القديمة وتجريب الأسلحة الحديثة واختبارها على حساب الشعب الأفغاني المقهور.
ﻫ.
حرب تشرين التحريرية
إنَّ كل من عاصر هذه
الحرب وتتبع أخبارها يفخر بالجيشين العربيين المصري والسوري ومساندة شعوبهما لهما
في معركة حاسمة مع العدو الإسرائيلي.
استمرت الحرب عدم أيام
وكانت تسير لصالح الجيوش العربية وبشكل جيد ولكن الرئيس المصري "محمد أنور
السادات" قام فجأة وبدون أسباب حقيقية بوقف هذه الحرب متذرعاً بقيام الجيش
الإسرائيلي بتطويق الجيش المصري. لقد أثبت التاريخ كذب ادعاءاته وهو نفسه قال أنها
كانت حرب "تحريك" وليس حرب "تحرير" أي أنَّ هدفها لم يكن
تحرير الأراضي المغتصبة وإنما كان هدفها هو تحريك مفاوضات السلام بين العرب
وإسرائيل وهذا ما قام به السادات عند زيارته للكيان الصهيوني وبذلك هدم جدار
المقاومة والممانعة العربية – إنّ تحليل هذا الحدث يقودنا إلى استنتاج ما يلي:
إنَّ السادات كان
عميلاً للمخابرات الغربية ونسق على مستوى الرؤساء فقط (مصر وأمريكا وإسرائيل)
وبشكل عالي السرية عملية حرب تشرين بحيث أنه يبدأها ويحصل على انتصار مبدئي يشكل
له لاحقاً أرضية صلبة ليسمى "بطل الحرب" وبعدها يقود مصر إلى مفاوضات
الاستسلام مع إسرائيل وبذلك أصبح يسمى "بطل الحرب والسلام".
إنَّ وجود السفارة
الإسرائيلية في أكبر العواصم العربية دليل دامغ على خيانة وتآمر السادات ونظراً
لانتهاء دوره ومعرفته لأسرار ضخمة قامت المخابرات الغربية بتدبير عملية اغتياله
وبذلك تمّ دفن كافة أسرار الخيانة والتآمر. هنا يتساءل المرء عن مصلحة قيام الغرب
بتدبير عملية الاغتيال ولكن الجواب يأتي سريعاً بتعيين حسني مبارك خليفة له وقد
ألبس هذا ثياب الطهارة وقاد مصر إلى مزيد
من الاستسلام والفساد والفشل.
و- الإعلام
الغربي:
يركز العالم الغربي على
القيام بتخريب عقول العالم الثالث بشتى الوسائل لأنَّ هذا التخريب سيضمن له على
المدى الطويل التفوق الدائم. إنَّ عملية التخريب هذه تنفذ بأساليب متنوعة
نذكرمنها:
- الإذاعات ومحطات التلفزيون الغربية الناطقة باللغة
العربية.
- الأفلام الغربية المترجمة إلى اللغة العربية والتي تنشر
الثقافة الغربية وتؤكد دائماً أسطورة تفوق العقل الغربي.
- مراكز الثقافة الغربية المنتشرة في الدول النامية.
يتساءل المرء دائماً
لماذا كل هذا الاهتمام بالعالم الثالث وبتثقيفه وبتوصيل المعلومات الصحيحة له من
خلال محطات الـ (BBC) الانكليزية والـ (CNN) الأمريكية ومونت كارلو
الفرنسية وغيرها. إنَّ الإجابة الدقيقة تتلخص بأنَّ ذلك يمثل وجبة دسمة ولذيذة
يسعد بها الإنسان في العالم الثالث ولكن هذه الوجبة تحمل في مكوناتها سم خفيف
يتراكم مع الزمن ليجعل المواطن تائهاً يائساً فاقداً الثقة بنفسه وبغيره مما يسهل
السيطرة عليه وتوجيهه وقيادته.
إنَّ الأمثلة على سلوك
العالم الغربي تجاه العالم الثالث كثيرة ومتنوعة وكلها تدعم نظرية المؤامرة وركوب
الموجة وغيرها من النظريات التي تشير جميعها إلى أنَّ العالم الغربي يستخدم العلم
والتفكير العلمي المادي والثقافي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي لاستغلال العالم
الثالث الذي لم يستطع حتى الآن الاستيقاظ من غيبوبة الجهل وصراعات المذاهب
والأديان واختصر قضيته في الحجاب والنقاب وجواز قيادة المرأة للسيارة.
أخيراً يجب التنويه إلى
أنَّ الإرث التاريخي من الجهل والتخلف أصبح جزءاً من جينات الإنسان في العالم
الثالث ولعل النمو السكاني الهائل في هذا العالم هو أحد مظاهر هذه الجينات. إنّ
وعي وإدراك هذه المسألة هو أمر ضروري لكافة مؤسسات العالم الثالث التي تسعى لنهضته
وتطوره.